وكان ياتى إلى عيادتي الطبية ليلا بعد انتهاء العمل ويقول لي هل عرفت ربنا قال إيه النهاردة ؟ ثم يخرج مصحفه يتصفحه ذهابا وإيابا حتى يعثر على الآيات التي أشرقت معانيها في قلبه فيقرأها بصوته الخاشع وهو يعيش ويحيا مع آيات الله وكلمات القرآن
.
وكان إذا أخطأ خطا ينظر عن يساره ويكلم الملك الذي يكتب السيئات قائلا له انتظر لا تكتب الخطأ أنا حتوب ثم يتجه عن يمينه ويقول للملك الذي عن يمينه أنت رئيس ملك الشمال أؤمره بالا يكتب السيئة لأنى سأتوب حالا.
وكان إذا أخطأ خطا وأحس بتأنيب ضمير يرقد تحت السرير ويضع القيد في قدميه ويقول لنفسه لعذبنك كما سقتينى إلى المعصية .
وأثناء جلوسي معه في بيته آذ اسمع أصوات لاغاني خليعة أو شتم أو ظلم فإنه يسارع لإغلاق شرفة الغرفة وهو يقول الشيطان يريد أن يقتحم علينا منزلنا .
وكان يعمل في شركة الورق ( فرتا ) وكان راتبه قليل عاونه بعض معارفه للعمل في الإمارات واعظ في القوات المسلحة ولكنه لم
يستمر في العمل إلا شهرين ترك بعدها العمل وعاد إلى مصر وحين سألته عن سبب ذلك قال أن كثير من ذهبوا إلى هناك رأيتهم
يعبدون الدرهم ويذكرونه أكثر من ذكرهم لله . وهم يسأل بعضهم بعضا بتاخذ كام درهم الشئ كذا بكام درهم سرفت كام درهم . فرجعت لأعيش مع الفقراء الذين يعبدون الله ولا يلهيهم الدرهم.
استدعى مرة إلى مبنى مباحث امن الدولة بالإسكندرية يقول و لما جلست على أحد كراسي المكتب قام الضابط ( ع . ب ) وجعل يدور حولي في الحجرة وظننت أنه يمكن أن يضربني من الخلف فانتابني بعض الخوف فقلت لنفسي يا ولد يا لطفي إنتا على المنبر وفي
الدرس أسد وتأتى هنا وتخاف مثل الفأر أمام عبد لا يملك لنفسه حتى نفس الهواء الذي يدخل إلى صدره ! إزاى يا لطفي ربنا يشوفك دلوقت في هذا الوضع أمام عبد ضعيف ! إخص عليك يا لطفي ! قال : فإذا بى تأتيني قوة إيمانية عالية وإذا بى أرى الضابط الذي أمامي في صورة ..... غير التي صورها لي الشيطان فجلست اكلمه وأنا كلى ثقة في الله.عبد يكلم عبدا
كنا نمشى في احد شوارع المناطق الشعبية في يوم ممطر ( شارع احمد أبو سليمان في منطقة الرمل ) بسيارتي المتواضعة وفجأة تعطلت السيارة في منتصف الشارع المليء بالطمي فنزلنا لدفع السيارة من الخلف بأيدينا و قد خلعنا أحذيتنا والطمي يبلغ إلى نصف
ساقينا . فجعل يرفع رجله ويضربها داخل الطمي وهو يقول لي يا أخى إبراهيم هذا الطمي هو الحقيقة فكل هؤلاء الناس من الطمي لكنهم مزوقين ،هؤلاءطمى لكنه طمى مغشوش، وكل هذه المنازل والمحلات وما تحويه من هذا الطمي ولكنها مزينة كل هذه صور مغشوشة لهذا الطمي نحن الآن نسير ونضع أقدامنا على الحقيقة , حقيقة هذه المخلوقات جميعا .
وكان يكثر القراءة فى كتب بن القيم رحمه الله وعندما أتصفح كتبه أجده واضع للعلامات وله تعليق على كثير من الفقرات. (أمثلة هذا كلام رائع لا ينطلق إلا من نفس ذائقة ) ( هذه والله هي الحقيقة التي أغفل عنها دائما بسبب الشيطان أعوذ بالله منه ) ( هذا ما أقوله للناس وانصحهم به وأنا لا اعمله به
وكنت كلما وددت تجديد إيماني في وأرتفع بروحانياتي اذهب إليه في بيته نجلس الساعات فنذكر الله ونقرأ القران وبعض الكتب الإيمانية.
وكان قد أعد في منور بيته حجرة للصلاة والخلوة مساحتها متر في مترين ارتفاع متران يغلقها على نفسه يقضى فيها الساعات فى صلاة وقرائة قرآن وذكر لله
وعندما علمت بوفاته المفاجئة ذهبت إلى منزله مسرعا فقابلنى إبنه الأصغر عمر
الذي لم يكن قد تجاوز الثالثة من عمره على باب البيت وقال لي يا عم بابا خلاص مات مش أنت كنت بتيجى تقعد وتتكلم معاه ؟ هو
خلاص مش حيقدر يتكلم معاك تانى بعد النهاردة خلاص،جائتنى الكلمات كطعنه في قلبي وأمسكت دموعي حين دخلت المنزل لأجد عائلة مجتمعة فقدمت لهم العزاء فأبلغوني بأنه أوصى قبل موته أن أقوم أنا بإمامة صلاة الجنازة على جثمانه الطاهرة وأحسست بصغرى وذنوبي بجوار هذه الوصية وحاولت الإفلات منها ولكن استاذى الكريم الأستاذ / محمد عبد المنعم هو الذى دفعني دفعا أن أنفذ وصية حبيبي في الله وقد كان .
رحم الله آخى لطفي رحمه . وأثناء عودتنا بعده دفنه رحمت الله عليه رأيت عددا كبيرا من العمال يجهشون بالبكاء فاقترب منهم
أواسيهم بأن الموت حق على الجميع وكفى به أن يقبضه الله على طاعة فحكوا لي قصتهم معه قالوا أننا جميعا كنا في حزب التجمع
نعتنق الأفكار اليسارية ولا نعرف التدين حتى الصلاة لم نكن نؤديها وكان إيماننا بالفكر اليساري وانحيازه للطبقة العاملة الفقيرة وعلاقة قيادات الحزب بنا خاصة رئيسه الأستاذ/ خالد محيى الدين الذي كان يقف معهم وقت شدائدهم ومصائبهم حيث كان يحضر
بنفسه إلى الإسكندرية لزيارتنا في بيوتنا المتواضعة ليقدم لنا المساعدة فإن لم يستطع الحضور بعث إلينا أحد قيادات الحزب يقف
بجانبنا ويمدنا بالمساعدة مما زاد ارتباطنا وحبنا للحزب وقياداته لكن ما حدث أنه ذات ليلة اجتمعنا في مقر الحزب على محاضرة يلقيها الشيخ /العاصي الشيخ الأزهري عضو قيادي في حزب التجمع وإثناء المحاضرة ارتفع صوت آذان العشاء من المسجد
المجاور لمقر الحزب فطلبنا من الشيخ العاصي التوقف عن المحاضرة لحين الانتهاء من الآذان فرفض قائلا أن هذه المحاضرة أهم
من الآذان بل من الصلاة أيضا وهنا ثارت ثائرتنا وكان عددنا يقارب المائة عامل فتركنا المحاضرة وقررنا الذهاب إلى المسجد وأداء صلاة العشاء وبعد الصلاة قام الإمام رجل على وجهه نور الإيمان بإلقاء موعظة عن الله واليوم الآخر بطريقة وكأنه يشاهد ما يتكلم
عنه فأثار فينا روح الإيمان وانقشعت عن قلوبنا غشاوة المادة و قررنا جميعا تقديم استقالتنا من الحزب وهذا ما حدث فعلا ومن يومها
ونحن مرتبطون بهذا الرجل الرباني نحضر دروسه وخطبه ونصلى خلفه ونقتدى به ونحبه ملتزمين بتعاليم ديننا الحنيف ، فلهذا الرجل في عنقنا دين كبير حيث كان سببا في هدايتنا إلى ربنا وإلى طريقه المستقيم.
رحمك الله يا أخي لطفي وجمعنا وإياك في رضا الله وجنته أيها الرجل الذي كان يعيش مع الغيب يستحضره طوال حياته وينظر ببصره إلى يوم موته قبل أن يموت وإلى ساعة لقاء ربه قبل أن يلقاه.