الخميس، يونيو ٠٧، ٢٠٠٧

رجال مع القران

رحلة مع الدكتور/ محمود الزهار

في صيف العام الماضي 2006 حضر إلي مصر د/ محمود الزهار وزير خارجية فلسطين واستضافه اتحاد الأطباء العرب في ندوة بدار الحكمة , ذهبت لحضور الندوة ممثلا للجنة الإغاثة والطوارئ ( غوث ) لدعوته ولاصطحبه إلي الإسكندرية حيث يلقي كلمة في ندوة أقامتها نقابة المحامين ولجنة الإغاثة الإنسانية بنادي المحامين وفي صباح اليوم التالي توجهنا في طريقنا إلي الإسكندرية ، حكي خلالها قصة مقابلته بالأمس للسيد / عمرو موسي أمين عام جامعة الدول العربية
،و كان برفقته عدد من الدبلوماسيين العرب حيث كانت مقابلة جافة للغاية حدثه فيها السيد/ عمرو موسي (عن ضرورة ان تكون
حماس واقعية ولا تعيش في أحلام ،حيث لا يفكرفي عودة فلسطين إلا أناس لا يفهمون عالم السياسة والأبعاد الدولية أو أناس
مجانين )وطالبه بالقبول الواضح والصريح للمبادرة العربية والتي تدعو إلي الاعتراف بإسرائيل إذا تراجعت إلي حدود ما قبل حرب يونيو حيزران 1967 .
وذكر د/الزهار ان عمرو موسي كان يحدثه وكأنه يعطي درسا لأحد التلاميذ ،وبعد أن انهي السيد/ عمرو موسي حديثه
قال د/ محمود الزهار :( يا سيادة الأمين العام أنت درست التاريخ وتعلم ان ما من دولة احتلت علي وجه الأرض إلا وقد أتي عليها يوم تحررت فيه من الاستعمار فلماذا نستثني فلسطين من هذه القاعدة .

لماذا يا سعادة الأمين أرغم علي بيع بيتي لأنني طردت منه ،أنا لن أبيع بيتي أبدا سأتركه لأولادي فان لم استرده أنا فسيسترده أولادي أو أولادهم ، لماذا ترغموننا علي بيع أرضنا ؟

ثم إن الصهاينة منذ جاءوا إلي وطننا ولم يستقر لهم قرار ولم يهنئوا بالأمان يوما من الايام

وأكثر من ذلك وقبل كل ذلك وبعد كل ذلك إن الله وعدنا بالانتصار علي اليهود في فلسطين في سورة الإسراء . فإذا كان رب السموات
والأرض قد انهي إلينا بهذا الخبر فكيف بعد ذلك نبيع فلسطين ، ووعد الله الصادق لا يتخلف و الذي نثق فيه أكثر من ثقتنا فيما تراه أعيننا وما تسمعه أذاننا وما تفكر فيه عقولنا فيقول رب العالمين ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسيئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ) صدق الله العظيم

يقول د/ الزهار عندما وصلت للحديث عن القران أحسست بالجالسين ينظرون إلي كأنهم يستمعون إلي رجل مخبول يعيش في عالم الخيال مع إني كنت أحدثهم عن خبر من عند رب العالمين

واستطرد يقول أنا يا سيادة الأمين بالنسبة لوصفك لنا بأننا أناس مجانين , فكل من بدا نضال وجهاد لتحرير بلده كان الناس يعتبرونه مجنونا . فسعد زغلول في مصر 1919 كان يعتبر مجنونا وهو يواجه الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وعمر مكرم كان مجنونا وهو يقاوم الفرنسيين وعمر المختار في ليبيا كان مجنونا حين بدا نضاله ضد الايطاليين وفي الجزائر بلد المليون شهيد ان كل هؤلاء وغيرهم من بدءوا خطوات التحرير من استعمار قوي باطش كان الناس ينظرون إليهم علي إنهم مجانين ولولا هؤلاء المجانين ما تحررت مصر , وليبيا , والجزائر وغيرهم وغيرهم . فيشرفنا يا سيدي أن نكون من هؤلاء المجانين،
يقول د/ الزهار: وكنت مستنكرا للطريقة التي تحدث بها السيد عمرو موسي وبعد نهاية كلامي استأذنت للانصراف وطلبت من السيد عمرو موسي أن أتحدث إليه علي انفراد فقام معي . فقلت له يا سيدي أريد أن أبلغك إن الذي كان يتحدث معي منذ قليل ليس هو السيد عمرو موسي الذي اعرفه كان شخصا أخر ... فإذا به يقول لي : أرجو ألا تسئ بي الظن فعمرو موسي الذي تعرفه هو عمرو موسي الحقيقي الذي تعرفه ويكفني ان تعلم حقيقة موقفي وقناعاتي .

أحسست وأنا أحادث د/ محمود الزهار طبيب جراحة الحنجرة خريج جامعة عين شمس ( القاهرة) والذي يكبرني بسنوات قليلة انه حين تكلم عن القران كان يسبح في عمق البحر واري نفسي بالنسبة له أسبح قريبا من الشاطئ ، أحسست كيف إن الجهاد والاستشهاد والدماء علي ارض فلسطين نقلت إخواننا أمثال د/ الزهار إلي أحضان القران ينام معه ويصحو معه ويعيش بين دفاته يتنسمه ، يتنفسه ، يعشقه ، يستيقن بكل حرف فيه , كما قال لي الزهار القران والحديث هو العين التي نري بها الدنيا وهو العقل الذي نفهم من خلاله الأحداث .

وصلنا إلي الإسكندرية

والقي الرجل كلمته وأثناء انصرافه من نادي الأطباء تقاطر وتزاحم عليه الشباب سلاما وأعناق وحديث .

كان الناس يصافحون فيه شهداء فلسطين وأبطال فلسطين وشهيدات فلسطين وأطفال انتفاضة فلسطين وأمهات شهداء فلسطين .

حتى كاد تدافعهم عليه أن يودي بحياة الرجل وبعد ما يقرب من الساعة استطاع الرجل الوصول إلي سطح النادي وحين رايته قلت له ممازحا يا دكتور/ زهار عجيب انك لازلت حيا حسبتك نلت الشهادة في الإسكندرية وشرفت الإسكندرية بروحك الطاهرة . فابتسم وقال رغم ما حدث لي فاني في غاية السعادة أن احمل هذه الرسالة من الإسكندرية إلي إخواني وأبنائي في ارض الجهاد بفلسطين .

سافر د/ الزهار إلي القاهرة وفي اليوم التالي أذيع نبا استشهاد زوج ابنته وهو احد مهندسي صواريخ القسام والذي قام بتطويرها فأصبحت أكثر قدرة علي إصابة أهدافها . وعندما تنامي إلي الخبر اتصلت به هاتفيا وقلت له: أخي الحبيب د/ محمود الزهار لقد علمت
باستشهاد زوج ابنتك وأنا لا اعرف بماذا أبدأ هل أعزيك بفقده أو أهنئك باستشهاده ،
فإذا به يرد بثبات ورباطة جاش (ادعيله ربنا يتقبله مع الشهداء ويدخله الجنة ولكن قل لى إخوانك بالإسكندرية بالأمس كادوا يجهزون
علي وأنت فرحان في ( وإذا به بعد كلمات قليلة من استشهاد صهره يمازحني في الهاتف ) ولم يزد علي قوله( ادعيله ربنا يتقبله مع الشهداء ويدخله الجنة )

أحسست ساعتها مدي بساطة وحقارة الدنيا في نظر هؤلاء وحجم الشهادة والجنة في قلوبهم ...



الأستاذ / سيد قطب فى ظلال القرآن

وفي اليوم التالي ساقني القدر للجلوس مع أخي الكبير أ / عبد المنعم عرفات من إخوان 1965 والذي قضي في السجن أكثر من عشر
سنوات متتالية وكان يسمونه هو واخوانه في أدبيات الإخوان ، إخوان العشرات ( أي المحكوم عليهم بعشر سنوات سجن في عهد عبد الناصر ) المهم إني حكيت له ما جري بيني وبين د/ محمود الزهار في التليفون بعد استشهاد صهره .

فإذا بي اسمع منه قصة مشابهه يرويها لي عن الأستاذ الشهيد / سيد قطب رحمه الله حيث قال : كان أ / سيد قطب يعيش حياته فعلا تحت ظلال القران فالقران ومعانيه وقصصه وأوامره ومعانيه ملكت علي أ / سيد قطب كل أحاسيسه فكان يعيش داخل دفات القران الكريم . وفي احدي الأيام ونحن في السجن مات ابن أخيه الأخ / رفعت بكر قطب تحت التعذيب علي أيدي زبانية عبد الناصر . فاجتمعنا مجموعة من شباب الإخوان بالسجن وتوجهنا إلي مستشفي السجن حيث كان يقيم أ / سيد قطب لننقل له خبر وفاة ابن أخيه علي اثر التعذيب ، وحين أبلغناه الخبر كان رد فعله بكلمات قليلة ولكنها تكشف عن قلب عامر بالإيمان مستيقن من الطريق قال : ( الله يرحمه رفعت شاب صالح( يستهلها ويعني الشهادة) اين نحن من إيمان رفعت ) .

استولي الإيمان علي قلب د/ الزهار كما استولي علي قلب سيد قطب فنطق الزهار بما سبق أن نطق به سيد قطب .

زادني الله وإياكم إيمانا ويقينا نعيش به حياة سيد قطب والزهار ونلقي الله عليه في مقعد صدق عند مليك مقتدر ..

ليست هناك تعليقات: