الأربعاء، مارس ٢٨، ٢٠٠٧

سجن أبو زعبل

بعد حفظ قضية التظاهر ضد زيارة مناحم بيجن استدعاني مأمور سجن الحضرة في الإسكندرية وأخبرني انه بعد حفظ القضية جاءت الأوامر بنقلي من هذا السجن إلى أحد سجون القاهرة لأني متحفظ على ضمن مجموعة المتحفظ عليهم وطلب منى اختيار السجن الذي انقل إليه – طلبت منه الانتظار حتى استشير إخواني الذين معي في السجن فاختاروا سجن أبو زعبل حيث أن السجون الأخرى مثل الاستقبال والمرج وغيرها بها تعذيب تمارسه مباحث أمن الدولة ولكن سجن أبو زعبل هناك ضرب للسجناء عند دخولهم السجن فقط .
أبلغت مأمور السجن بذلك وفى الصباح حضرت سيارة الترحيلات وفى أثناء رحلتنا طلبت من قائد الترحيلة رغبتي في شراء بعض الحلوى والفاكهة من طنطا على الطريق وكانت معي بعض الأموال خبأتها في ثيابي وكان لي هدفين الأول / التخلص من هذه النقود لان الإمساك بها معي وأنا مرحل من سجن إلى سجن يعتبر مخالفة توجب المصادرة لهذه النقود , الهدف الثاني هو أن أقوم بتوزيعها على حرس السجن أثناء دخولي لعل ذلك يخفف من حجم الضرب الذي استقبل به هناك . وافق ضابط الترحيلة وعند دخولي باب سجن أبو زعبل أسرعت وبتوزيع الحلوى والفاكهة على حرس السجن , و لحسن حظي كان هذا أول يوم تصدر فيه الأوامر بعدم الضرب إطلاقا داخل السجن . ومن الأحداث الطريفة انه أثناء وقوفي أترقب ما يصنع بي و أتمنى أن اذهب إلى الزنزانة في أسرع وقت قبل الضرب الذي كنت أتوقع , إذا بسيدة فاضلة مسنة تنادى من بعيد ( يا عبد المنعم : يا ولدى ما هو عبد المنعم واقف بعيد اهوه هاتوه علشان اشوفوه قبل ميعاد الزيارة ما تخلص وكانت والدة د / عبد المنعم أبو الفتوح ظنتني هو من ظهري حيث كانوا تأخروا في إحضار د . عبد المنعم للزيارة وحين اقتربت منى وتأكدت أنى لست عبد المنعم ولدها قالت أنت جاى منين يا أبني قلت لها أنا لسه داخل السجن الآن وجاى من الإسكندرية فقالت في آسى ( يا قلب أمك عليك يا ضناي ) , دخلت زنزانة كبيرة تتسع لثلاثين مسجون وبابها الحديدى عبارة عن حواجز حديدية وبينها فتحات ضيقة .
وكان أول من أسرع إلى الزنزانة الاخين الفاضلين د / محمد إسماعيل والأستاذ مجدي وردة . فوجئت بهما بعد السلام على عبر القضبان يسألاني عن حجم الإصابات التي لحقت بي للقيام بمساعدتي وكانت سعادتهما كبيرة حين أخبرتهما بأني لم اصب بأي آذى .
وجدت بالزنزانة عدد كبير من كافة الاتجاهات الدينية , تكفير – فرماوية , جهاد , سلفية , إخوان وعلى راس الإخوان شيخي الكبير الأستاذ / عبد المتعال الجبري العالم الجليل وعرفت منه انه ناله تعذيب شديد بعد اغتيال الرئيس السادات لمكانته العلمية و الاخوانية بزعم من مباحث أمن الدولة انه المرشد الخفي او الحقيقي للإخوان .
رأيت الرجل وهو الحافظ للقران الكريم بأكمله يقوم الليل إلا قليلا يتلو القران يركع ويسجد ويبتهل ويدعوا خاشعا متبتلا .
وجدتني أمام رجل رباني واسع الأفق كثير القراءة في الكتب والاطلاع كان يقضى اكثر من ست ساعات يوميا في القراءة والكتابة – كان دقيق العبارة شديد الإصغاء لمحدثه وبعد الإصغاء ينطلق بسيل من الأسئلة بعضها معرفة مصدر الكلمات ومدى دقتها , مدلولاتها أن صحت حتى جعلني لا انقل له خبرا إلا وأنا على استعداد لاذكر مصدره وان أكون مستوعبا لمعظم ألفاظه وحاولت لفهم مدلولاته ودوافعه والعواقب المتوقعة لهذا الخبر ( فتعلمت منه الدقة فى القراءة والفهم والنقل ) .
لقد سمعته يخطب أربع جمع متتالية في السجن ( تحت شعار كان الرئيس حسنى مبارك بعد انتخابه رئيسا لاول مرة قد أعلنه وهو ( مصر المستقبل ) فاختار الشيخ عبد المتعال الجبري عنوان للخطب الأربعة بتناول فيها نقطة واحدة ( حد السرقة في الإسلام ودوره في صناعة مصر المستقبل – أربع خطب على مدار أربع ساعات يشرح ويقارن بين عقوبة السرقة في الإسلام و العقوبة في غيرها من التشريعات الوضعية موضحا بالأرقام والإحصاءات العلمية ما سوف يوفره تطبيق هذا الحد على الصعيد المادي والمعنوي والفردي والجماعي في المجال الصناعي والزراعي والتجاري سواء على المجني عليه أو أسرة الجنائي أو على الأجهزة الرقابية أو الشرطية وعلى المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي , لقد أبهرني حصيلة هذا الرجل من العلم الشرعي وعلم بالواقع في هذه المجالات جميعا . مما جعلني أسجل خلفه خطبه كتابة .
و أراد الرجل أن يستمر في سلسلة ( الحدود الشرعية ودورها في صناعة مصر المستقبل ) ثم ينطلق بعد ذلك إلى سلسلة تشتمل العقيدة والعبادة والخلق ودورها في صناعة مصر المستقبل . ولكن الله من عليه وخرج من السجن بعد صحبه له كانت قصيرة استفدت فيها وكم جالسته لاستفيد من علمه وخلقه وعبادته وكان يقول لى بإذن الله أن عشت سوف اكتب عن تاريخ الدعوة الإسلامية في جماعة الإخوان منذ أن كنا نسافر إلى القرى على ظهر الحمار وحتى أصبحنا نسافر بدعوتنا إلى أقطار الدنيا بالطائرة وذكر لي انه يقترح أن يسمى هذا التاريخ ( دعوة الإخوان الإسلامية من الحمارة إلى الطيارة ) – وبعد خروجه رحمه الله سافر ليقوم بالدعوة في إحدى المراكز الإسلامية في أمريكا وقابلته في الحج عام 1982 وكان بصحبته زوجته وأولاده فسعدت بلقاءه ورايته كيف يتعامل مع زوجته بكل احترام وحب ومع فارق فى السن والعلم .
مكثت في أحد عنابر أبو زعبل وهو يقتصر على السياسيين من جماعات إسلامية عديدة وهو من ثلاثة طوابق بكل طابق أثنى عشر زنزانة عدد الأفراد في هذا العنبر يزيد على الألف سجين .
رأيت الإخوان بالسجن يقومون بخدمة باقي المساجين الأستاذ / جابر رزق والأستاذ / إبراهيم شرف يقومان بالشئون الادارية تنظيم الزيارات و المناداة على من تأتيه الزيارة إيصال الخطابات وجمع الطلبات إلى إدارة السجن .
والدكتور / عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور / عصام العريان يتوليان أمر العيادات والمناداة على المرضى وتصنيفهم وعرضهم على طبيب السجن ثم إحضار الدواء وتوزيعه عليهم . بل كان الإخوان المسجونين يقومون بالتناوب بنظافة طرقات العنبر حيث يرفض أفراد الجماعات الأخرى القيام بهذه الخدمات .
رأيت الشيخ / محمد الخطيب لاول مرة وكذلك أ . د . محمد حبيب ومعظم مسئولي المحافظات من الإخوان الكبار وكذلك الكوادر الاخوانية القيادية في هذه المحافظات .
ولقد كان ينادى في كل ليلة على أحد هؤلاء الإخوان الكبار ومن معه من شباب إحدى المحافظات ويرحلون إلى سجن المرج حيث يتم تعذيبهم والحمد لله لم يأتي الدور على محافظة الإسكندرية . وقد علمت من إخواني أن الدكتور عبد المنعم والدكتور عصام العريان والدكتور حلمي الجزار والدكتور / محمد إسماعيل وغيرهم كانوا يقادون للتعذيب في سجن المرج وكان ينادى على أسمي معهم ولكن كنت لا أزال في سجن الحضرة بالإسكندرية رأيت الحاج / احمد حسنين لاول مرة وكان بالطابق الأرضي يمشى وقت الفسحة وله انحناءة خفيفة وهو يضع يداه خلف ظهره وقد علمت أن هذا الرجل قد سجن من قبل عشرون عاما ولا زال صامدا ثابتا وكان هو مسئول الإخوان داخل سجن أبو زعبل ولما أخلى سبيله تولى مسئولية الاخوان الحاج حسن جودة رحمه الله وكان رجلا ودودا عابدا خادما لإخوانه

ليست هناك تعليقات: