السبت، أغسطس ٢٥، ٢٠٠٧

نوبة غفلة أعقبتها صحوة

تخرجت دفعة 1976 ثم قضيت سنة الامتياز وكانت هذه الفترة امتداد لسنوات نشاط دائمة وحركة مستمرة واسعة في عدة ميادين دعوية ودائرة جغرافية ممتدة .ثم جاء التكليف الطبي في الوادي الجديد وبعد شهر من النشاط الدعوى المتواضع هناك .التحقت بالقوات المسلحة لقضاء فترة التجنيد الإجباري أكتوبر 1978 ( والتي سوف اروي فيها مواقف عجيبة وغريبة في حياتي فهي مدرسة أخرى تختلف عن الحياة العادية ).
أنهيت فترة التجنيد 1/1/1980 وانتقلت للعمل بالإسكندرية بمركز الصحة المدرسية بمنطقة المندرة .واستأجرت شقة بمنطقة شعبية (العصافرة قبلي)لاتخذ منها سكنا وعيادة طبية وكان قد مضي علي زواجي ما يقرب من خمس سنوات ولقد رزقنا الله بثلاث بنات حيث ولد ولدنا الرابع في سكننا الجديد .كانت شقتي بسيطة أحببتها أنا وزوجتي الغالية (التي سوف اروي بإذن الله قصة زواجنا ونحن طلبة
في السنة الرابعة) وأولادي الذين رأوا أن الناس في هذه المناطق الشعبية متعارفون متكاتفون يشاركون في المناسباتويتساعدون في الملمات حتى أطلقوا عليها اسم (عصافرتنا
وكانت سعادتي كبيرة بهذه الشقة حيث أنها كانت في الطابق الأول علوي والباب المواجه لباب شقتي هو باب لمسجد داخل العمارة
(وله باب أخر خارجي لعموم المصلين)فكنت إذا جاء وقت الصلاة أتوضئ في شقتي ثم افتح بابي وباب المسجد المواجه له وادخل لأصلي حيث كان المسجد في الدور الأول علوي أيضا أحببت كثرة المكث في المسجد بعد العودة من العمل للقراءة واعطاء الدروس
الدينية ثم أحببت قيام الليل في المسجد حيث لم يكن يكلفني إلا أن أتوضأ في أي وقت من الليل وادخل المسجد لأصلي .وكان أخى الحبيب إلى قلبي أ/لطفي عبد العزيز (رحمه الله)وهو صهر أ/محمد حسين وكان رجلا روحانيا يعيش القران والحديث بروحه وقلبه ومشاعره.بل وكنا ننطلق لاعطاء دروس سويا ونقرا في كتب الرقائق لابن القيم وغيره كثيرا .أيامها أحسست بحالة إيمانية روحانية عالية ، كنت أتذوق حلاوة لم اكن أتذوقها للقران والصلاة وقيام الليل والأذكار وقراءة كتب الرقائق والإيمانيات مما أدى إلى ابتعادي عن العمل العام والحركة الدعوية الواسعة والمسئولياتى الجماعية التي كنت احملها علي عاتقي .حين شعر إخواني بتحولي هذا إلى الإيمانيات والعزلة سارعوا إلى بيتي المرة بعد المرة وبخاصة إخواني م/خالد داوود و د/عصام الحداد يلوموني علي هذا النهج ويذكروني بدوري الذي يجب أن أقوم به وسط إخواني وبتاريخ وخبرات تجمعت لدي وهي ملك لدعوتي واخواني يجب ألا احتبسها لنفسي .وان ما أنا فيه لا يتفق مع طبيعة شخصيتي وتكويني .كنت اسمع منهم هذا الحديث فادخله كما يقولون من أذن و أخرجه من الأذن الأخرى و أقول في نفسي انهم يقولون هذا لأنهم لم يذوقوا صلاة الخلوة والعزلة ولذة قيام الليل والتفكر والتدبر وسعادة البعد عن الشواغل والصوارف ومتعة القرب من الله ونشوة المناجاة له والانغماس في عالم الغيب الواسع الفسيح .وكانوا ينصرفون في كل مرة مع وعد مني أن أفكر فيما طلبوه مني ولكن الوقت طال

قرارالعزله يدخل امتحانا صعبا

وفي ذات مرة حضر إلى أخي عصام الحداد يطلب مني إلقاء كلمة بعنوان (حب الله)في ندوة تعقدها الجمعية الطبية الإسلامية التي كان يرأسها أستاذي الفاضل أ. د/ نبيل هاشم استاذ جراحة المخ والاعصاب(رحمه الله) الذي تعلمت منه كثير من المواقف والدروس التى أسأل الله أن يوفقنى لسردها ، وكانت الندوة قد دعي أليها زملائي الأطباء في مقر جمعية علي بن أبى طالب (بمنطقة سموحة)وعلمت منه أن كلمتي ستكون في البداية وسيتبعها عرض فيلم تسجيلي يحكي قصة غزو السوفيت (الاتحاد السوفيتي)لأفغانستان عام 1979 .فاعتزمت الذهاب شجعني علي ذلك .
1-الإحراج الذي سببته لأخواني بتكراراعتذارى لهم خاصة وقلبي متعلق بحبهم واحترامهم.
2-أن موضوع الكلمة التي طلبت مني مناسبة للجو والحالة التي كنت أعيشها فهى محاضرة عن ( حب الله) .
3-أن الفقرة التي سوف تلي كلمتي هي عرض فيلم تسجيلي يمكنني الانصراف خلاله دون أن يشعر بي أحد .
قابلت أستاذي أ./نبيل هاشم (رحمه الله) و أخواني الأطباء بفرحة وحب بعد فترة من الغياب .
وبعد إلقاء كلمتي التي أجدتها حيث أنى كنت أعيش معانيها .
جلست بين زملائي قريبا من باب القاعة انتظارا لإطفاء الأضواء لعرض الفيلم التسجيلي وهي فرصتي للانصراف أثناء هذا الظلام دون أن يشعر بي أحد لأعود إلى مصلاي وقراءاتي وعباداتي وبالفعل بدأ عرض الفيلم حيث رأيت من الذوق أن انتظر قليلا حتى ينهمك
زملائي مع الفيلم ثم انصرف .شاركت زملائي في مشاهدة مطلع الفيلم التسجيلي، الشاشة الكبيرة ومصور الفيلم أمريكي الجنسية خاطر بنفسه وسط المعارك إخلاصا لمهنته لينقل للعالم بالصورة والصوت ما فعله الروس أثناء اقتحامهم لأفغانستان المسلمة
-التعليق علي المشاهد مترجم إلى اللغة العربية .
المشهد الاول دبابات تعبر ا لي داخل الحدود الأفغانية والمعلق يقول:( عشرة آلاف دبابة تعبر الحدود إلى أفغانستان وعشرة آلاف قتيل أفغاني علي الأقل في أول أيام الغزو) ثم تتحول الكاميرا من صور الدبابات المقتحمة ألي صورة القتلى المسلمين في الشوارع في مناظر بشعة شعرت أن شعر رأسي يقف حين رأيتها .ثم تتسارع الأحداث وإذا بمشهد زوجات هؤلاء الشهداء يتحركن ويهرولن في الشوارع والأسواق وهن يبكين ويصرخن ويقطعن شعورهن صورة تقترب من الجنون بكيت من صور هؤلاء النسوة وكدت أصرخ
معهن ،تماسكت و حاولت الهروب من المشهد وقلت لنفسي لعل هؤلاء النسوة ممثلات سنمائيات ويقمن بدور الضحايا فيصدمنى صوت المعلق وهو يحدد أسماء المدن التي نقل عنها هذه المشاهد من الواقع .فأعود الى الحقيقه هؤلاء نساء وزوجات وبنات إخواني المسلمين الذين قتلهم الكفار، إنهن لسن ممثلات هن أرامل وأيتام تركهم إخواننا المسلمون في أفغانستان ثم كان المشهد الذي لم أتحمله حين شاهدت على الشاشة طفلة في الخامسة من عمرها بترت إحدى ساقيها واحد ساعديها وهي في مستشفي بدائيه
و قد امتلا جسدها بالأربطة الطبية بعد ان قتل أبوها وامها وحين ركزت الكاميرا علي وجهها البريء نظرت بعينها في عيناي ودار بيني وبينها حديث الاعين قالت لي يا عمي قد فقدت أبي وامي ولم يبقي لي إلا أمثالك هل يا عمي ستتركني هكذا للكفار وتذهب الي منزلك
والي مسجدك تشرب الماء البارد وتصلي وتعيش روحانياتك !؟ يا عمي لو عمل كل المسلمين مثلك فمن يبعث لنا بالطعام بالدواء بالكساء ؟ من يغيثناغيركم؟ستتركوننا فريسة للكفار؟
نظرت إليها دون رد فلما رأت صمتي قالت وعينها تذرف الدمع أذهبت يا عمي لشانك .لنا الله يا عمي .وهنا أجهشت بالبكاء وقمت اجري خارج القاعة .أحسست أنى في حاجة شديدة أن اجلس مع نفسي أراجعها لاحسم موقفي .فوجئت بأصوات أقدام تجري خلفي تتبعني استدرت لاري أخي د/عصام الحداد خلفي سألته عن سبب مجيئه ورائي قال جئت لتوصيلك لبيتك بالسيارة (حيث أنى لم اكن املك سيارة) طلبت منه أن يرجع ويتركني وحدي فأنا في حاجة أن أخلو إلى نفسي .وحين أصر علي توصيلي اشترط عليه ألا نتحادث سويا لاني لست علي استعداد للحديث مع أحد وأنا في هذه الحالة .فاستجاب مشكورا وقام بتوصيلي .لم ادخل باب شقتي بل دخلت باب المسجد المقابل لشقتي وتوضأت أصلي وادعوا الله أن يوجهني ويقودني إلى الطريق الذي يرضيه وما أن اقترب أذان الفجر ثم أذن المؤذن وإذا بروح مطمئنة تأتى لتسكن داخلي وإذا بعزيمة من عند الله تدفعنى إلى ترك العزلةوالقيام بواجبى تجاه اخوانى المسلمين وبعد نوم قليل بعد صلاة الفجر ذهبت إلى عملي وتوجهت بعده مباشرة للاجتماع باخوانى والاتفاق على حملة لجمع الأموال والملابس والأطعمة والدواء لإخواننا في أفغانستان من خلال الجمعيات الخيرية المنتشرة في أرجاء الإسكندرية وكنت أواصل العمل الليل والنهار مع إخواني المسلمين دون كلل أو ملل .وكانت نواة لجنة الإغاثة في نقابة الأطباء فيما بعد .وقتها أحسست أني قد بعثت من جديد لاقوم برسالة أشارك فيها إخواني العاملين من اجل إعلاء كلمة الله وإنقاذ هذه الامه المضطهدة من المتربصين بها وألا أعيش لنفسي وان أعيش في طاعة الله خادما مع خادمي هذه الأمة الكريمة العزيزة .
الأستاذ عمر التلمساني وغزو أفغانستان:
بعد غزو التحاد السوفيتي لأفغانستان ووقوف الأنظمة العربية مكتوفة الأيدي أمام هذا الاحتلال الفاجر الذي ازهق أرواح مئات الآلاف من المسلمين المجاهدين أعلن أ /عمر التلمساني (رحمه الله)المرشد العام للإخوان المسلمين في ذلك الوقت فتح باب الجهاد في أفغانستان واعد استمارات يملأها الراغبون من الشباب وغيرهم للجهاد مع إخوانهم المسلمين في أفغانستان .
-جمع خلالها مئات آلاف من الطلبات من مختلف المحافظات وتقدم بطلب إلى السلطات المصرية لتدريب هؤلاء الشباب وتسفيرهم للقتال في أفغانستان وقوبل طلبه بالرفض طبعا .
-وقتها جمعني معه لقاء بالإسكندرية حيث حضر لالقاء حديث الثلاثاء في مسجد عصر الإسلام(سيدي جابر)
حيث سالت فضيلته عن أسباب قيامه بهذا العمل مع انه كان يعلم يقينا ان النظام المصري لن يوافق علي ذلك
فأجابني قائلا :بان ما فعلته حقق فوائد كثيرة
-أولها:انه كان إعلان عن أن أمه الإسلام أمة واحدة لا يحجز بينها الأوطان ولا الألوان ولا اللغات .
-ثانيها:انه احياء لفريضة الجهاد التي يراد لها أن تموت في عقول وقلوب المسلمين (يقصد الجهاد ضد الكفار المحتلين
-ثالثها:انه إحراج للنظام الذي وقف مكتوف الأيدي حيال احتلال أفغانستان البلد المسلم حيث يري عمليا صوت شعبه يناديه بالتحرك.
رابعها:انه اختبار لحياة هذا الشعب المصري وخاصة الشباب منه ومدي حبه لدينه واستعداده لافتدائه.
خامسها:انه اختبار وامتحان لكل فرد منا يزعم انه يحب الله اكثر من حياته فهو أثناء ملاه للاستمارة ستحدثه نفسه بكل العوائق والمخاوف والأربطة التي تشده إلى الدنيا فان استطاع التخلص منها وغلب نفسه علي شهوتها .وإلا فعليه أن يتخفف منها وان يراجع نفسه في علاقته بربه ودينه وأخرته.

هناك ٣ تعليقات:

ومضات .. أحمد الجعلى يقول...

حركت فينا الكثير يا دكتور إبراهيم بهذه القصة التى مررتم بها شخصيا.

وبرغم أنه من المفترض أن نستفيد من هذه القصة وهذه الخبرة، إلا أننا فى احيان كثيرة نلجأ لأن نخوض التجربة من جديد بشخوصنا حتى نصل للإجابة.

العزلة والتفرغ للعبادة والارتقاء بنفس .. كثيرا ما يروادنا هذا التفكير ولا نعلم هل هو من قبيل الاستسلام للامر الواقع أم هو هروب مما تحياه بلادنا ودعوتنا.

جزاكم الله خيرا على أن قدمت لنا خلاصة تجربة مررتم بها علها تكون مرجحة للقرار الذى سنتخذه إذا وضعنا امام هذا السؤال.

انـتــصار عــبـد الــمـنـعـم يقول...

دكتور ابراهيم

بارك الله فيك ونفعنا بعلمك
نحن بانتظار باقي الذكريات
لعلها تعيد فينا بعضا من الحمية للدين وللأمة الاسلامية
سانتظر لأعرف القصة الجميلة التي جمعتك بالفاضلة الاستاذة جيهان

صانعة الحرية يقول...

السلام عليكم
اشعر بصدق متناهى فى حديثك دكتور
وكلنا فى انتظار باقى الذكريات عسى ان تنفعنا يوما
وجزاك الله عنا خيرا